| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

أمير أمين

 

 

 

 

الأحد 25/3/ 2007

 



حزب أخضر... جيل بعد جيل !



أمير أمين

لم أشبع من ولع الطفولة بعد , حينما رُشحت للحزب , ولو عادت بي السنين الى ذلك اليوم المجيد من أذار 1973 , وأنا بهذا الوعي , لقررت تأجيل الترشيح لسنتين على الآقل .
إنتابتني الرهبة والخوف حينما إستدعاني أخي الآكبر للمجيء حالاً للبيت لآمر هام , وكنت حينها مرتدياً البيجاما , رافعاً أذيالها فوق الركبة , حيث كنت وعدداً من أصدقائي نلعب كرة القدم في زقاقنا الصغير , قلت لآصدقائي سأعود بعد قليل , فأدخلوا صديقاً ليحل مكاني في تلك اللعبة المحببة للجميع .
دخلت البيت متعباً , والعرق يتصبب من وجهي وأجزاء جسدي النحيل . بادرني أخي قائلاً : لقد دُرست رسالتك وقُبلت مرشحاً في صفوف الحزب , وطلب مني وبإبتسامة جادة أن أملآ إستمارة الترشيح ! فرحت كثيراً أول الآمر , وشعرت بنبضات قلبي تتسارع بقوة , وأحسست بأنني قد كبرت فجأة , ولكني ما لبثت أن حزنت لآنني سأودع اللعب والطفولة , بعد أن أيقنت أن المسؤولية ستكون عظيمة , وهي أكبر بكثير من طاقتي على التحمل , وتمنيت أن لا يعرف أحد بإنتمائي هذا , إدراكاً مني حينذاك بأن تصرفاتي التي كانت عفوية جداً , ستجعلني أقع بأخطاء غير محسوبة , وإعتقدت أنها ستحسب على الحزب الذي أنتمي اليه , مما سيضعني في موقف محرج أمام الرفيق المسؤول والرفاق الذين أعمل معهم , لذلك بدأت أفكر بالكثير من الآمور قبل أن أعمل أي شيء , بحيث أخذت تصرفاتي اللاحقة للترشيح طابعاً أكثر رزانة وهدوءاً مما كان عليه الآمر سابقاً ... وأصبحت أفكر بمواد الآجتماع الاول .. ومن سيكون مسؤولي ؟ ومن هم الرفاق الذين سيكونون معي ؟ وهل أعرفهم شخصياً ؟ وماذا سأسأل في الاجتماع ؟ إذ كنت أخشى أن يُطرح علي سؤال يخص الماركسية أو يتعلق بالامور الفكرية والسياسية التي كنت قليل الإلمام بها , وقلت مع نفسي : لو حدث ذلك معي فإن الرفاق سيعيدوني مجدداً لآصحابي لآواصل معهم لعبة كرة القدم في ذلك الزقاق الاليف .. وجاء الآجتماع الاول , الذي كان في بيتنا , وإنزاح أول الهموم , عندما إكتشفت أن مسؤول الخلية هو أخي ألاكبر , إذ خفف ذلك من قلقي وتوتري كثيراً , ثم إنزاح هم أخر , عندما إكتشفت أن الرفاق الاخرين في الخلية كانوا من أصدقائي المقربين , بل كان أحدهم أخي ( سمير ) وهو أصغر مني قليلاً , وقد تم ترشيحه في نفس الوقت الذي تم ترشيحي فيه , وكذلك الرفاق الاخرون . وقد بسَط لنا المسؤول كل شيء تقريباً , بعد أن أعطى لكل واحد منا إسمه الحزبي , وبدأ النقاش بهدوء وروية , وأعطيت لنا المهمات , وبدأنا لآول مرة نتداول كلمة ( رفيق ) بعد أن كنا قد إعتدنا على تداول كلمة ( زميل ) في تنظيمات إتحاد الطلبة , وشعرت بأننا جميعاً في مستوى متقارب , وإنزاح من قلبي الخوف تدريجياً .. وبعد ذلك إستلمت قيادة حلقة أصدقاء , وتطورت الامور التنظيمية , وأصبح أصدقائي هم الرفاق , وهذا الشيء بدأت الآن أعاني منه , حيث لا يمكنني الآنسجام أو الآطمئنان لغير رفاقنا الشيوعيين , وقد جربت أن تكون لي صداقات من خارج التنظيم , ولكني لم أنجح أو إنني أشعر بصعوبة التعامل مع هؤلاء , حتى وإن إخترتهم من النوعيات الجيدة , وذلك لآن الرفاق الشيوعيين لهم حضور خاص يمتاز بنكهة شيقة في إختيار الموضوعات , وبصدق التعامل , وأشعر معهم بحميمية حيث التفاعل الصادق , خصوصاً في الامور المتعلقة بالوطن وجراحه ومصيره .في حين أجد بروداً ولا مبالاة من قبل الكثير من العراقيين الاخرين , الذين يتعامل قسم منهم مع المصائب بشماتة أو بعدم إكتراث !
ومرت بضعة شهور , وإنبثقت الجبهة الوطنية التي كنا نترقبها بأعصاب مشدودة .. وتوسعت منظمات حزبنا بشكل مذهل , وما لبثت حتى إستلمت مسؤولية خلية مرشحين , وبعدها خلية أعضاء , وكانت المفاجئة كبيرة , حينما أردت الذهاب الى شارع عشرين ( الذي كنا نسميه شارع فهد لكثرة الشيوعيين الذين فيه ) لغرض الاجتماع الذي أبلغت بمكانه وموعده , ولكني أحسست قبيل الموعد بحوالي ساعة , أن أخي سمير هو أيضاً يهم بالخروج من البيت , وعرفت أنه يريد أن يقصد نفس وجهتي , فأتفقنا على الذهاب سوية , وكان كل منا وقتها يعمل في هيئة أخرى , ولا يعرف أحدنا الوضع التنظيمي للاخر , والمفاجئة كانت في وصولنا لنفس البيت ! قلت لسمير لدي شغل هنا ( حيث كنا نطلق كلمة شغل على الاجتماع الحزبي ) فقال لي : وأنا كذلك لدي شغل هنا ! وما هي إلا لحظات حتى دخل الرفيق المشرف ورحب بنا جميعاً وهنأنا بأننا أصبحنا أعضاء لجنة قاعدية , وأصبح المشرف مسؤولنا الجديد , وعلمنا أن الهيئات الاعلى طلبت تقديم رفيقين الى هذا الموقع فجرى إختيارنا , أخي سمير وأنا , ويا للصدفة الجميلة , حيث عدنا مجدداً للعمل في هيئة واحدة ! ولكن هذه المرة أصبحت المسؤولية أعمق , وإستلمنا مهام كبيرة جعلت شعورنا بالمسؤولية يتعاظم أكثر وأكثر , وتكونت لدي علاقات واسعة تخطت صوب الشامية أو إعدادية الناصرية , لتصبح لدي علاقات تنظيمية وصداقات لا حصر لها مع رفاقنا وزملاءنا الطلبة في عموم مدينة الناصرية , وإمتدت أيضاً الى الشطرة وسوق الشيوخ , وشملت كذلك الطالبات .
وخلال هذا السفر النضالي الممتد لآكثر من 34 سنة , تشكل ثلثي عمري , تعرفت خلالها على الاف الرفاق والرفيقات الرائعين الذين جسدوا بطولات الشعب العراقي , وذاد المئات منهم بأرواحهم في سبيل وطن حر وشعب سعيد .
واليوم يقف الحزب الشيوعي , وهو يوقد شمعة عيده الثالث والسبعين شامخاً في معمعان النضال الوطني والطبقي ضد الطائفية , ومن أجل حقوق الكادحين , ويعمل لوحدة الشعب العراقي , من أجل نيل حريته وتخليصه من الاحتلال الاجنبي , ومن أجل سعادته وهنائه.. وبهذه المناسبة لا يسعني إلا الإنحناء إجلالاً أمام بطولات الشيوعيين وتضحياتهم إبتداءاً من الشهيد الآول ( شاؤول طويق ) الى أخر شهيد سقط على أيدي الآرهابيين والتكفيريين وبقايا عصابات المقبور صدام حسين . وسيبقى حزبنا الشيوعي العراقي أخضر على الدوام , يتجدد بأبناءنا وأحفادنا , وكما قالت إبنتنا ( ليليان ) إبنة الشهيد كاظم طوفان ( ابو ليلى ) : { أبي لقد أصبح لك حفيدان ينشدان للوطن ... سنمضي.. سنمضي .. الى ما نريد .. وطن حر .. وشعب سعيد } كما عاهدت إبنتنا ( لينا ) برسالة الى أمها الشهيدة ( أم لينا ) بمواصلة العطاء في صفوف هذا الحزب .. نجد الحضور الدائم لاطفال رفاقنا ورفيقاتنا مع ذويهم الى مناسباتنا الحزبية والوطنية , ونرى فرحهم وإنشدادهم لآغاني الحزب وأناشيده وتراثه وتفاعلهم مع بعضهم أثناء ذلك .. ولا عجب أن أرى حب أطفالي للحزب ورفاقه , وأذكر أن إبنتي ( موناليزا ) أصرت في الانتخابات الاولى أن تدخل معي الى خيمة التصويت مشيرة بإصبعها الصغير , على شعار الجمهورية العراقية الاول قائلة : بابا ضع هنا إشارة صح على هذا المربع ! ضحكت وقبلتها قائلاً : أعرف ذلك جيداً , بينما كان إبني ( ماريو ) ينتظرنا في مكان أخر قريب داخل القاعة .. وتحمل الاثنان برودة الطقس , وهم يقفون معي في طابور طويل , يجمع العراقيين من شتى الاصناف , حاملين شعارات ( إتحاد الشعب ) يلوحون بها بفرح طفولي للاخرين .. أقول إن حزباً له كل هذا الحب من قبل الابناء والاحفاد , إنه حزب أخضر .. حي متجدد .. دائم العطاء .. إنه حزب العمل والامل والمستقبل .. حزب الشبيبة المثقفة الواعية من المجتمع العراقي .
تحية للحزب الشيوعي العراقي في عيده الثالث والسبعين .. الف وردة حمراء على صدور كل الرفاق والرفيقات الجدد والمناضلين القدامى .. وتحيات حب لكل الأصدقاء الذين يساندون الحزب ويقفون معه في نضاله في هذه الظروف الصعبة .