| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

أمير أمين

 

 

 

السبت 19/5/ 2007

 


 

في أربعينية الفقيد الخال بدري عرب !


أمير أمين

مرت في الثامن عشر من أيار الحالي , ذكرى مرور أربعين يوماً على إستشهاد المشرف التربوي , ومدرس الكيمياء المعروف الخال ( بدري عرب ) حيث فجعت عوائلنا المنتشرة داخل الوطن , في الناصرية وبغداد , وخارجه في الدنمارك والسويد وهولندا والنرويج , بنبأ إختطافه ثم إستشهاده , بعد أقل من ساعتين ,على يد خاطفيه , من القتلة ألآرهابيين , لقد أُختُطف الفقيد ظهر يوم ألاحد المصادف الثامن من نيسان 2007 من بين طلابه في حي الجهاد في بغداد , وتمت تصفيته بسرعة قياسية , بحيث لم نستطع أن نفكر , ولو قليلاً , بحجم الفدية التي سيتقاضاها منا المجرمون لو قدموا لنا عرضاً بتسليمه حياً , ويبدو أنهم خططوا للجريمة جيداً ونفذوها بتصميم ودراية , منهين حياة إنسان مسالم , وهو في أوج نشاطه العلمي والحيوي ,حيث إختطفوه من بين طلابه الذين أحبهم , والذين أمضى في تدريسهم أكثر من خمس وثلاثين سنة متواصلة , كما قاموا بسرقة سيارته ومقتنياته الشخصية ! رامين جثته في الشارع , بعد ربط عينيه وتوثيق يديه , وإطلاق رصاصتين ألآولى في صدغه والثانية بين عينيه ! والسؤال الذي يشغلنا ألآن هو: من هم هؤلاء المجرمون الذين إغتالوه ؟ وما هي دوافعهم ؟ وإلى أي جهة ينتمون ؟ ولماذا إختاروه دون غيره , في الوقت الذي كان بإمكانهم أن يختطفوا طلابه معه , وقد أخذوه من بينهم , بل من بيت أحدهم ! ؟ وهل سيتم إلقاء القبض عليهم في يوم ما , وتقديمهم للعدالة ؟ علماً إنهم لم يرتبكوا هذه الجريمة وحدها دون شك ! هذه التساؤلات وغيرها فكرت بها ولا زالت تشغل مخيلتي , ولم أجد حلاً لفك الغازها المحيرة ! حيث إنني أعرف خالي بدري جيداً , فهو لم يكن سياسياً أو متديناً طائفياً , ولم يكن من قادة النظام السابق أو الحالي ! ولم يُحسب على جهة دينية أو طائفية ! ولم يكن من الصحفيين أو ألآدباء أو الشعراء , ولم يكن من كوادر الحزب الشيوعي , ولا من الطيارين الذين قصفوا مدن إيران أبان الحرب العراقية الآيرانية ! ولم تكن له أية علاقة بقوات ألآحتلال ! ولم يعمل مترجماً ولا دليلاً لهم ! وعلى المستوى ألآجتماعي , فلم يعادي أحداً , ولم نسمع أن أحداً قد عاداه ! كانت حياته تشبه حياة أي موظف عادي , فهو مهتم بالعلم والتدريس ومتابعة أخبار كرة القدم العراقية والعالمية , إضافة لشؤون أسرته الصغيرة , المتكونة من زوجة وإبنتين , بالآضافة لولد متزوج ! إذن لماذا قُتل في تلك الظهيرة ؟ في الوقت الذي كانت فيه أسرته تنتظره ليشاركها الغداء ! وهل هناك سبب واقعي يبرر تلك الجريمة الشنيعة ؟
سأحاول تناول بعض الآحتمالات لتفسير هذا اللُغز المحير , وأنا أشارك أفراد عائلاتنا حزنهم على فقدانه الآليم , خصوصاً وأن الخال بدري كان يتمتع بحب الجميع وبمكانة خاصة لدينا لمواقفه المساندة عند كل أزمة , ولطيبته وصدقه ووضوحه .
نسمع كثيراً في وسائل إعلامنا ومن أفواه مسؤولي دولتنا العراقية , من المدنيين والعسكريين , عند تناولهم للملف ألامني المتدهور قولهم , إن أسباب ذلك تعود للصداميين والتكفيريين والعصابات ألاجرامية , فهي حسب وجهة نظرهم المسؤولة الوحيدة عن عمليات الخطف والاغتيال والتفجير والحرائق والتفخيخ ورمي الجثث مجهولة الهوية في مناطق متفرقة من بغداد ومدن العراق الآخرى ! ولو فرضنا جدلاً أن هذه المسميات فقط هي المسؤولة عن قتله , فلنرى هل لها مصلحة في ذلك ؟ فإذا كان القتلة هم من الصداميين , فلم لم يقتلوه في العقود الثلاثة الماضية , حيث كان يعمل على مقربة منهم , وأمام أنظارهم , وموظف في دولتهم ؟ ! كان يسكن قريباً منهم , ويدرس أولادهم وبناتهم , وكانوا يعرفون أنه غير منتم لحزبهم , ولا يتعاطف مع سياستهم !( أشير هنا الى أن عدداً لا يستهان به من الجرائم والاغتيالات التي حصلت في السنوات ألآربع الآخيرة ليست بمنأى عن يد الصداميين ! ) وإذا كان القتلة من العصابات الآجرامية , فهي لم تستفد كثيراً من الغنائم التي إستحوذت عليها عند قتله , وكان يمكن للعصابة التي قتلته أن تتفاوض مع عائلته لقبض فدية تصل لعشرات الالاف من الدولارات , فلماذا إكتفت بسرقة سيارته فقط وببعض المقتنيات الشخصية البسيطة من الناحية المادية ! وإذا كان القتلة من الفئة المسماة بالتكفيريين المعادين للطوائف الآخرى , فإن هؤلاء هم من نفس طائفة الفقيد ! الذي كان والده كردياً من السليمانية , ومعروف الى أي طائفة ينتمي !
إذن هناك جهة أخرى من المرجح أن تكون هي الفاعلة لهذا العمل المشين , وبدوافع طائفية من جهة ولحقدها على رجال العلم والاكاديميين من جهة أخرى ! لقد جاء القتلة للبيت الذي يدرس فيه الفقيد سبعة من طلابه في حي الجهاد , جاءوا وهم مكشوفو الوجوه , وفي وضح النهار , ولم يخافوا أن يكشفهم الطلبة أو يشوا بهم ! بل من المؤكد أنهم يجوبون الآن شوارع بغداد , بل وحي الجهاد نفسه , بسيارة المارسيدس المسلوبة من الفقيد ! دون خوف أو إرتباك ! ولكن هل يعلم هؤلاء القتلة الطائفيون , والمدعومون من الكتل المتنفذة في الحكومة والبرلمان أن الفقيد الخال بدري كان يترك مقعده الجامعي في بغداد أيام عاشوراه , أواخر الستينات , ليشارك أبناء مدينته الناصرية وأهله وأصدقائه اللطم على الشهيد الحسين ! وهل يعرف القتلة الطائفيون أن والدة الفقيد وأخته الوحيدة وزوجته هم جميعاً من نفس طائفتهم , ثم هل يعلم قتلته الطائفيون , أن والد الفقيد ووالدته وجميع الميتين من عائلته مدفونون في مقبرة السلام في النجف الاشرف ! لم يكن الفقيد متديناً ولكنه كان يحترم الدين والمتدينين , وأذكر حينما التقيته في بغداد في العام الماضي , سألني مستنكراً الرسومات التي أساءت للرسول محمد , والتي رسمت في الدنمارك ! ولم يكن مرتاحاً لذلك ! أقول إنها لغة الدم تلك التي قتلت الخال بدري ,إنها نزعة القتل المتأصلة في نفوس بعض العراقيين الساديين المنتشرين في كل مكان ومن كل لون , مهما كانت الوان وأحجام وأشكال العمائم التي يضعونها فوق رؤوسهم , ومهما طالت لحاهم أو قصرت , وحتى لو كانوا من غير المعممين !
نبذة عن حياة الفقيد
ولد الفقيد بدري محمد أحمد ( عرب ) عام 1950 في مدينة الناصرية , وفيها درس الابتدائية والمتوسطة والثانوية , وكان من المتفوقين , خصوصاً في الرياضيات والدروس العلمية , دخل كلية التربية فرع الكيمياء في جامعة بغداد , وتخرج مدرساً للمادة حيث عين في الناصرية قبل إنتقاله للتدريس في بغداد .
تزوج للمرة الاولى ورزق بابنه عادل قبل إنفصاله أواخر السبعينات , ثم تزوج ثانية ليرزق بولد وإبنتين من زوجته الثانية , وفي 13 | 12 | 2003 ( يوم القبض على صدام ) قتل إبنه البكرعادل في حادث سيارة ! كان الفقيد يتميز بالطيبة والكرم والجرأة والشهامة , وكان يحب مساعدة الاخرين , فقد ساعدنا مادياً ومعنوياً , أواخر السبعينات , عندما إختفينا وتركنا وظائفنا ومدينتنا الناصرية , وخرج معظمنا فيما بعد خارج العراق , وعندما طردت المدرسة ثلاث من اخواتي , لعدم إنتمائهن للاتحاد الوطني , ذهب هو , في ذلك الزمن الصعب , محتجاً على القرار , ومتهجماً على نهج النظام , مما حدى بمدير الآمن في الناصرية لتحذيره من مغبة سلوك كهذا !
لم يكن الفقيد مهتماً بالسياسة , ولكنه كان محباً ومتعاطفاً مع الحزب الشيوعي العراقي , وقد جرب أن ينتمي للحزب الشيوعي أواسط السبعينات , ولكن ترشيحه سرعان ما سُحب بسبب عدم جديته في حضور الاجتماعات وتحضير مواد التثقيف , وبقي صديقاً للحزب !