| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبــــاس العــــلوي
alawiabbas@hotmail.com

 

 

 

                                                                                   الأربعاء 4/5/ 2011



يا سامعين الصوت :
خافوا الله في الجواهري

عبــــاس العــــلوي

في نهاية الستينات عاد شاعرنا الكبير الى العراق بعد غيبة طويلة ، كانت عودته فرحة مدوية للعراقيين وحديث الساعة شغل مختلف المحافل الأدبية والسياسية والأجتماعية .
في ذلك الوقت كنا مجموعة من الشباب نعمل في شركة أهلية ببغداد طلبنا وبألحاح من زميلنا في العمل صفاء الجصاني ابن اخت الشاعر الكبير ان يحصل لنا على موعد لقاء لغرض السلام على شاعر العرب الأكبر والترحيب بمقدمه !

بعد ثلاثة اسابيع تقريبا جاءنا الجواب : حضروا انفسكم غدا الخميس الساعة السابعة مساء لزيارة الأستاذ الجواهري في بيته . فرحنا نحن الأربعة بهذه الدعوة الكريمة وبنفس الوقت أعتراني شيئ من الخوف والرهبة لأني غدا سأكون في بيت (شاعر العصر) الرجل الذي ملأ الدنيا وشغل الناس !

تبدد خوفي عندما استقبلنا ابو فرات بطلعته البهية وابتسامته الرائعة وكلماته الجميلة وأحاديثه المتنوعة وتعرفه على أفراد عائلاتنا . استغرق اللقاء الممتع حوالي 45 دقيقة وفي لحظة توديعه صادف قدوم أساتذتي في الجامعة الدكتور صفاء خلوصي والدكتور مهدي المخزومي رحمهما الله !

كنت في البداية اتوقع ان يكون بيت الجواهري واحدا من القصور الفارهه التي تتناسب مع شهرته الكبيرة وإذا به بيتا متواضعا لا يتميز بشيىء عن البيوت المجاورة او ربما اقل منها .

بعد السقوط في عام 2003 عدت الى بغداد بعد غيبة طويلة جاوزت 29 عاما ولا أخفي سرا عليك : غالبا ما تطرق ذاكرتي تلك الجملة الرائعة التي ذكرها انيس منصور في احدى كتبه :

إذا زرت العــراق ولم تزُر الجواهري كأنك لم ترَ شيئــا فيه !!

طلبت في اليوم الثاني من احد اصدقائي ان يأخذني بسيارته الخاصة الى بيت الجواهري . استغرب وقال . لا الجواهري ولا عائلته في البيت عَلام هذه الزيارة ؟ أجبته : انا اعرف ولكن دعني ارى ذلك البيت الذي يُثير فيّ الشجون كلما اتذكره ، وقد تردد عليه فطاحل العراقيين والعرب لزيارة شاعر عملاق ، قلما يجود الزمان بمثله !

دائما ما تكون هناك ثنائية مقدسة ما بين الرمز المتألق والمكان تعتز بها الشعوب الحية ، فحينما تزور أوربا مثلا وتدخل في بيت كل من شكسبير أو فيكتور هيجو والفريد نوبل وتولستوي وونستون تشرشل والبرت اينشتاين ومكسيم غورغي وعشرات غيرهم وقد تحولت فيما بعد الى متاحف رائعة ،
على الفور يأخذك سحر المكان فيها الى تلك الأجواء التي عاش بها هذا (الكنز) الذي يفخر به شعبه !!

للأسف في العراق نجد الصورة بكاملها قد وضعت بالمقلوب .
إقرأ معي هذا الخبر :

رواء الجصاني :

فاجأتنا اليوم انباء مؤلمة اخرى من الوطن خلاصتها ان بيت أو بويت الجواهري الأول والأخير في العراق الكائن في حي الصحفيين قرب ساحة النسور ببغداد سيشتريه خلال ايام احد رجال الأعمال لهدمه وانشاء مبنى آخر مكانه . ولم يستعر غضبا ضمير هنا او مسؤول هناك لمنع هذه الفعلة الاليمة في العراق . ( انتهى )

أقول لمن جاء به القدر الى سدّة الحكم :

هل هذه هي مكافأتكم لعبقري كان مهوسا بحب العراق عاش نصف حياته في المنافي ولم يحصل على قبر فيه ؟
أبهذا الشكل يُجازى من قال : انا العراق دمي فراته ؟
هل هذه هي هديتكم لمن قارع طائفية ساطع الحصري وآخرين غيره ؟
أبهذه الطريقة تحفظ كرامة من تغنى بدجلة الخير وعشق هضبات العراق وشاطئيه والجرف والمنحنى ؟
أبهذا التصرف المخجل يُعامل من لم ينسى كرم أم عوف ؟
وإذا كنتم مؤمنين : أهذا هو عرفانكم لمن خطت رائعته (آمنت بالحسين) بماء الذهب على الضريح الحسيني !

والسؤال الذي يدور على لسان كل عراقي :

ماذا قدمتم لرمز عراقي متألق ذاب عشقا في حب وطنه وتعذب من اجله ؟
هل هناك متحف له في مسقط رأسه او في العاصمة بغداد ؟
هل هناك تمثال له يطلّ على دجلة الخير الذي تغنى به ؟
هل هناك شارع او جامعة أو جائزة بأسمه في بغداد او بقية محافظات العراق؟

جزى الله خيرا كردستان التي عرفت قدره اكثر منكم ؟
لم يبق غير بيت (ابن الفراتين) ويا حسافة كان كثيرا على من ساقه القدر للسلطة ان يراه صرحا شاخصا تعتز به كل الأجيال ؟

هنا وبمرارة :

أتوجه الى الأخ الدكتور صلاح عبد الرزاق محافظ بغداد أقول :
عهدتك رجلا مثقفا متنورا على خلاف غيرك من المسؤولين عن بغداد .
انت عشت في اوربا وتعرف كيف تحافظ حكوماتها على تراث مبدعيها ورموزها الكبار . ارجو ان توقف فورا هذه الجناية القبيحة بحق نهر العراق الثالث وسيحفظ لك التأريخ هذه الوقفة الخالدة .

أختم المقال بكلمة قالها كاتب عراقي مبدع :

انت وانا نموت، الجواهري وامثاله لا يموتون إلا داخل الضمائر الميتة.
 


السويد في : 4 / 5/ 2011











 

free web counter