| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبــــاس العــــلوي
alawiabbas@hotmail.com

 

 

 

                                                                                   السبت 25/2/ 2012



مشاهد من زيارتي الأخيره للعراق
(3)

عبــــاس العــــلوي

في العاصمة بغـداد اكملت مشوار النجف وتوجهت الى بغداد وطريق العودة الذي كنا نسلكه سابقا بأقل من ساعتين استغرق الآن خمس ساعات وهي واحدة من تكنولوجيات العراق الديمقراطي . نزلت الكاظمية وبحثت بادء الأمر عن فندق لأن فنادقها المحدودة نسبيا قد ملأت عن آخرها بسبب زوار اربعينية الأمام الحسين < ع > وبوساطة احد الأصدقاء الكرام تمكنت من النزول بأحد الفنادق العادية التي ضربت أسعارها ارقاما قياسية قد لانجد نظيرا لها في دول الخليج ! في اليوم الثاني وجدت صاحب الفندق يتعامل مع الزبائن كما يتعامل البقال بأسعار بضاعته فالغرفة < الهلكانة > التي اقيم فيها بأربعين دولار في الليلة الواحدة ممكن ان تكون خمسين او ستين او ربما ثمانين دولارا في ليلة اخرى ، كل ذلك يحصل بسبب غياب الرقابة الحكومية ! في صباح هذا اليوم بدأت استطلع معالم المدينة المقدسة التي زرتها قبل ثلاث سنوات ويبدو ان سوء الطالع كان ملازما لي في هذه الرحلة حينما دوى بالقرب مني بعد دقائق قليلة من التجوال انفجار كبير هز الكاظمية بأسرها وقد قذفني مسافة عشرة امتار ونجوت في لحظات مرعبة من موت محقق ! قطعت فورا كافة الطرق المؤدية من والى الكاظمية للسيطرة على الموقف الأمني وخطوت بعدها متعبا قلقا نحو أحد المستوصفات كي اضمد جراحي التي كانت بسيطة والحمد لله ! زرت العتبة الكاظمية المشرفة بعد يومين وحاولت مرارا ان التقي بأمينها الحاج فاضل الأنباري الذي استضافني في السفرة السابقة لأستطلع مافيها من مشاريع جديدة لكن للأسف كان مشغولا ولم اتمكن اللقاء به الا بشكل سريع في مجلس الفاتحة الذي اقامه لأحد الراحلين من اقربائة . بدأت اتجول وحيدا في فناء العتبة التي تشهد هي الأخرى حملة اعمار كبرى وهناك زرت السيد محمد عبد ناصر رئيس الشعبة القانونية في العتبة المباركة وتربطني به صداقة قديمة تعود الى اكثر من اربعة عقود حينما كنت ادرس في الكلية وكان هو سكرتيرا لها ، رحب الرجل بي كثيرا وجلسنا سوية اكثر من ثلاث ساعات تحدث فيها عن مشاريع العتبة وأخرى عن مشوار حياته الطويل ومتاعبه في سجون النظام السابق ثم دعاني أخيرا الى مضيف الأمام لنتناول سوية طعام الغذاء . الكاظمية في هذه الأيام تحولت الى محطة استراحة مؤقته لوفود الزيارة الأربعينية وفي المقابل اصبحت هدفا محموما للأرهابيين ولاحظت القلق باديا على وجوه الناس بشكل واضح . لم اتمكن من انجاز بقية اعمالي في دوائر الدولة بوسط العاصمة واطرافها بسبب القطوعات المرورية اليومية الحاصلة جراء الحشود البشرية السائرة مشيا على الأقدام . اتصلت هاتفيا بصديقي الذي قدم من بريطانيا مؤخرا لأكمال اعماله وهو التربوي المتقاعد الأستاذ ابو ياسر المعموري وقد دعاني فورا للأقامة معه في حي اليرموك . وصلت اليه بصعوبة بالغة ووجدته في حالة نفسية قلقة بسبب خلاف مع اخوانه وصل الى المحاكم على ملكية بيت العائلة الذي بناه المرحوم والده في الستينات . رحب بي صديقي العزيز الذي كان كريما سخيا فيما مضى لكن حاله اختلف الآن فحينما نجلس سوية في بيته شبه المهجور في طقس بغداد القارص البرودة < انذاك > كان يضع المدفأة بين رجليه فقط وانا امامه ارتعش من البرد ، قلت له دعنا نستحضر مدفأة اخرى قال لي انا عندي ولكن امبير الكهرباء غالي !! تعرفت من خلال السيد ابي ياسرعلى بعض من جيرانه ومعارفه الكرام منهم المحامي الطيب الجميل السيد سعدي محمد هاشم الذي اخذ يذكرني بمقالاتي السابقة التي يتابعها اولا بأول من خلال المواقع الألكترونية وفي هذا البيت التقيت مرة اخرى بصديقي الكريم العزيز برفسور القانون سعد العنبكي خريج جامعة السوربون والمقيم سنوات طويلة في فرنسا وقد قدم الى بغداد لتمضية قسما من اعماله . كما التقيت بجيران ابي ياسر الشاب الجميل الرائع السيد عائد الغريري الذي كان يستضيفنا مساء تلك الأيام في بيته ويخدمنا بكل حب وأريحية وقد أفاء علينا كثيرا من كرمه . < ابو غيث > عرف محنتي فحينما اجلس في صلة الاستقبال يحضر لي المدفأة فورا ! كما تعرفت على الشاب كريم النفس مقاول البناء والأعمار السيد رياض العوسي صاحب النكات والاحاديث الطرية الجميلة وقد جاءنا الى البيت في احد الايام < و بغداد كانت شبه معطلة > قال لنا : اليوم سنأكل المسكوف سوية في أبي نؤاس حضروا انفسكم . أخذنا مشكورا بسيارته وقد سلك الشارع المؤدي لحي القادسية وهناك توقف طابور السيارات لأكثر من ساعة وما أن وصلنا الى هذه السيطرة العسكرية الغريبة الأطوار وجدنا فيها ضابط برتبة نقيب حقير النفس مصابا بجنون العظمة يعتبر الشارع العام ملك ابيه ولايفتحه الا لمن ينزل من سيارته ويتوسل به !! رياض الذي كان يقودنا قال : والله سوف اجلس هنا للصبح ولا اتوسل بهذا العسكري السافل المُعين بالواسطة ! وصلنا أخيرا الى ابي نؤاس وجلسنا في احدى مطاعمه المخصصة للمسكوف وكان الى جنبنا قرب الزجاج المطل على نهر دجلة عشرة كراسي < خالية > محجوزة مقدما جاء اصحابها لاحقا ويبدو انهم من موظفي الدولة سألت الأخ رياض من هؤلاء ؟ قال ولاشيىء موظفين جاءوا الى هنا ليأكلوا المسكوف بعنوان < غذاء عمل > لأن الحكومة حايرة وين تودي فلوسها !! خلال هذه الايام ذهبت الى ساحة التحرير في سنتر بغداد وابتدأت بجولة في حديقة الأمة ورأيتها في حال يُرثى له فالملايين المتلتلة التى صرفت على تأهيلها قبل اربع سنوات تقريبا ذهبت كلها ادراج الرياح فأحواض النافورات بائسة المنظر جافة والمرمر الذي يكسوها قد تكسر عن آخره وكذا الحال في ممرات الحديقة طابوقها ومرمرها هو الآخر مقلوع ومكسر ، اما السياج الذي كان تعلوه فوانيس عباسية جميلة اصبحت الآن خبرا من الأخبار والشتلات التي زرعت فيما مضى هلكت بسبب الاهمال وامام هذا المنظر الكئيب المؤلم قلت في قرارة نفسي < سوّد الله وجهك ياحرامي بغداد > !! وأكملت المشوار راجلا في شارع السعدون الذي اضحى مهجورا بعد الساعة السابعة اوالثامنة مساء والسواد الاعظم من البنايات المطلة عليه من الجانبين بلغت سن الشيخوخة بالية متهرئة قبيحة المنظر ومن المضحك المبكي حينما يقولون لنا ان هناك لجنة للذوق في امانة بغداد ! شاهدت الشركة التركية التي تقوم برصف حجر الكرانيت في هذا الشارع بملايين الدولارات بطريقة سيئة ومخزية وكدت اعمل مشاجرة مع عمالها لولا نصيحة بعض الأخوان الذين سحبوني في آخر لحظة ! وللقارىء الكريم اقول : بغداد التي كانت جميلة أيام زمان تحولت الآن الى مايشبه < السكراب > لاترى فيها غير الشوارع المخنوقة بالسيارات وصوت مولدات الكهرباء التي تصم الآذان والأبنية البالية الخربة المغطاة بلوحات الاعلان القبيحة لأصحاب المكاتب والمحلات وحواجز الكونكريت المسلح ومقاولات الترقيع الحكومية المخجلة التي تشم من ورائها رائحة الفساد الاخلاقي والاداري والمستنقعات والحفر التي تنتشر في اغلب احيائها وشوارعها وأزقتها عدا طركاعة الكهرباء والماء والمجاري والمصائب الاخرى . ختاما : احمد الله الذي لم يصطادني < عزرائيل > بواحدة من مفخخاته في بغداد !

 
السويد في 25 / 2 / 2012










 

free web counter