| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبــــاس العــــلوي
alawiabbas@hotmail.com

 

 

 

                                                                                   الأربعاء 22/2/ 2012



مشاهد من زيارتي الأخيره للعراق
(2)

عبــــاس العــــلوي

 في العتبة العلوية

بعد مرور اسبوع على لقائي الأول زرت اليوم امين العتبة العلوية السيد مهدي الحسيني لأستكمل بقية جولتي . وكعادته رحب الرجل بي مشكورا في صالة الأستقبال والحديث كان يدور مع جمع من الضيوف بحضور المهندس الرائع المستشار مظفر محبوبه عن مشاريع تطوير العتبة وهمومها وبطريقة ذكية جميلة عاتبني سماحة السيد على ذكري طرفا من انجازات الروضة في محاضرتي عن الاستثمار في غرفة تجارة النجف وكان يود لو لم أأتي على ذكرها بينما انا اعتبر طبيعيا ان من يرى الحقيقة بأم عينه يجب ان يكون شاهدا عليها !

بعد هذه الاستراحة التي تناولنا فيها الشاي قال لي امين العتبة : الآن ستكمل الجولة وسيكون برفقتك رجال من اهل الأختصاص لتزور المكتبة العامة وقسم المخطوطات ومشفى الكتاب والحصينة ودعني اراك بعد ذلك !

 فهمت منه كل شيىء ولكني لم افهم معنى < الحصينة > التي سأزورها بعد قليل مع اني متخصص في التراث واللغة العربية !!

ذهبنا سوية الى مكتبة العتبة وقد سميت على مر القرون باسماء عدّه منها (مكتبة الصحن العلوي) و (الخزانة الغروية) و (المكتبة العلوية) و (خزانة امير المؤمنين) و (المكتبة الحيدرية) ويقع مكانها الحالي < المؤقت > جنب مسجد عمران بن شاهين من جهة باب الطوسي وتتكون من طابقين تضم في جنباتها اكثر من ثمانين الف كتاب وقد قال عنها الشيخ علي الحزين في كتاب السوانح الذي ألفه عام 1154 هجرية : أن فيها من كتب الأوائل والأواخر من كل فن مالايمكن حصره !

شاهدنا في الطابق الأول من المكتبة قاعة لمطالعة الرجال تحتوي على الرفوف العديدة التي تخزن الكتب ضمن أرشيف منظم ودقيق، وقد خصص جانب منها لخدمة استنساخ صفحات المصادر حسب طلب روّاد المكتبة وضمن ضوابط محددة أما الطابق الثاني فيتكون من قاعتين أحداهما تشكل المكتبة الصوتية التي تضم أرشيفا كبيرا من الأقراص الليزرية تشمل محاضرات ودروس حوزوية ومناظرات وبرامج حاسوبية وغيرها إضافة إلى الرسائل الجامعية والقاعة الملاصقة لها خصصت لمطالعة النساء على غرار الأخرى المخصصة للرجال .

خلال تجوالنا في الطابق الاول التقينا بأمين المكتبه وهو رجل معمم رحب بنا كثيرا وقد أثنيت على جهده المميز في تطوير المكتبة بالطرق االعلمية الحديثة .

اخذنا مرافقونا بعدها الى قسم المخطوطات ويقع في مكان آخر تحت ارضية الصحن الشريف تتوفر فيه كافة المستلزمات الأمنية لحمايتها من الرطوبة والأرضة وعبث الأيادي وقد اخذت جميعها ارقاما رسمية تثبت عائديتها للعتبة الشريفة .

هذه الخزانة  تحوي على نوادر المخطوطات والرقوق القرآنية يعود تاريخها الى القرن الاول وحتى القرن الرابع عشر الهجري من بينها مصحف بخط الإمام علي بن أبي طالب <ع > ونسختان منسوبتان للأمامين الحسن والحسين < ع > وقرآن آخر خط بيد ياقوت المستعصمي .

كما تضم الخزانة اصغر المصاحف حجما لا يتجاوز 3 سم ومصحف لإسماعيل الصفوي أول ملوك الدولة الصفوية ومصاحف عدة وبمختلف الأحجام لعباس الكبير ثالث ملوك الصفويين وآخر لشاه صفي الصفدي أحد ملوك الدولة الصفوية ومصحف نادر وجميل لنادر شاه اخشار ومصاحف مشابهة للقاجاريين وأخرى لملوك واعيان الهند. كما تضم الخزانة نوادر أخرى تتضمن زخارف مشغولة بدقة وحرفية تعود لفترة الخلافة الاسلامية   فضلا عن كتب ووثائق نادرة مكتوبة باليد وموشاة بعضها بالذهب  

طبعا جولتنا السريعة هذه لاتكفي للتعرف على كل ماهو موجود من نفائس المخطوطات التي يربو تعدادها على 900 مخطوط  من بينها نحو 700 مصحف كتبت بأنواع مختلفة من الخط العربي وزينّت بالزخارف حسب المراحل التاريخية التي خطت فيها فذلك يحتاج الى وقت طويل ونتمنى ان نراها جميعا في يوم ما بمتحف العتبة العلوية وما أعجبني في هذه الزيارة هو حرص المشرفين على سلامتها واصلاح التالف منها بطرق علمية حديثة !

اصطحبنا السادة الكرام الى مشفى الكتاب التابع للروضة يقع في طابقين الأول تحت الصحن والآخر في السطح . حقيقة هذا المركز او الصرح الذي تأسس عام 2009 اسعدني الآن كثيرا كباحث مهتم بالتراث حينما ارى هناك ايادي امينة تعالج المخطوط الذي اعتراه الزمن الطويل واصبح قاب قوسين من التلف الكامل ثم يُعاد للحياة بطرق علمية رائدة يشهدها العراق لأول مرة

يحوي المشفى بقسميه على مجموعة متعددة من الأجهزة الحديثة المتطورة إضافة الى مجموعة كبيرة من المواد الكيمياوية المتنوعه التي لايعرف سرّها إلا المشرفين عليها .

يضم جهاز المشفى عدد محدود من الشباب الأكاديميين يشرف عليهم احد الخبراء العراقيين الذي قضى قسما كبيرا من حياته في مشافي المخطوطات بأيران وقد رحب الرجل بنا وبادرته فورا بالسؤال المهم الذي يجول في خاطري : ارجو منك ان تبين لي خطواتك في اصلاح المخطوط ؟

قال : ان عملية الترميم التي نجريها على المخطوط تمر بسبعة مراحل، ابتداءً بمرحلة "الفهرسة"، ثم "التصوير البدائي"، مرورا بـ "المختبر" لتحليل أوراق المخطوطة ومن ثم "الترميم" التي تعد المرحلة الأهم وبعدها "التجليد"، ومن ثم "التصوير النهائي"، فـ"إعادة الخزن" ثم أضاف :

ان ورقاً خاصاً من النوع النادر يسمى ورق < التشيو> يُستخدم للترميم، اذ يتم تصميم قالب على حجم ورقة المخطوط لترميم الجزء التالف منها وقد أكد هذا المعنى مسؤول المختبر وقال :

ان المخطوطة مثل الكائن الحی نجری عليها قبل ترميمها عدة امور ، منها قياس حامضية اوراقها وملاحظة البقع وتهيئة المحاليل الكيميائية التی تساعد على ازالة تلك البقع  ويجب ان تكون تلك المحاليل غير مؤثرة على الاحبار الاصلية المستخدمة فی المخطوطة او على الياف الورق .

وبالنسبة للقاريْ الكريم أقول : ان ما رأيته في اعادة المخطوط  للحياة هي مهمة شاقة ومريرة وتحتاج الى صبر ووقت لا يملكه الا المحب لهذه المهنة . وما أن اكملنا الجولة في المكتبة و المشفى والمخطوطات قال مضيفنا :

الآن سوف نذهب سوية الى الحصينة سألته بربك قل لي ماذا تقصد بالحصينة ؟ قال هي خزانة امير المؤمنين التي تضم كافة النفائس والهدايا النادرة لأنها مخزونه في مكان محصن وهنا طرت فرحا فطيلة حياتي اسمع بها والآن انعم الله علي برؤيتها !

تقع الحصينة اسفل الصحن الشريف من جهة باب الطوسي وهي اشبه ما يكون بالسرداب وحينما دخلنا فيه وجدناه عبارة عن مخزن كبير للسجاد الجديد والمستعمل الموضوع في خدمة العتبة وما أن وصلنا الى نهاية هذا المخزن الطويل وجدنا هناك باب حديدية سميكة ومحكمة يزيد ارتفاعها عن متر ونصف تقريبا وهي تماثل ابواب خزانة حفظ الاموال بالبنوك ولا تفتح الا بطريقة الأرقام السرية المشفرة التي لا يعلم بها غير مضيفنا المسؤول عن الآثار والتراث وامين العتبة فقط .

دخلنا قلعة الحصينة التي يبلغ سمك جدرانها وأرضيتها اكثر من متر من الكونكريت المسلح تحسبا لكافة الاحتياطات الامنية وقد استغرق فتح بابها حوالي ثلاثة دقائق وحينما أشعلت الأنوار رأينا فيها كنوز امير المؤمنين التي تذهب العقل ولم يراها على مرّ القرون الا عدد محدود جدا من الملوك والرؤساء ومن يطلع على هذه الهدايا والنفائس والتحف النادرة في الحصينه يخيل إليه أنه يتغلغل عبرها في عمق التاريخ !

بدأنا اولا بمشاهدة نماذج من السجاد الحريري الثمين بألوانه الجميلة الساحرة مُهداة من ملوك الهند وايران وكبار الاعيان والأثرياء وهي بأنواع متعددة وقياسات مختلفة وحدثنا احد المشرفين على السجاد قائلا : لدينا ايضا سجادة نادرة مرصعة بالماس والجواهر !

ثم توجهنا صوب التحف والهدايا الفريدة الباهرة التي لا تقدر بثمن فهناك الخزانات التي تضم الحلي والقلائد الذهبية والاحجار الكريمة والماس واللؤلوء للأميرات وزوجات الملوك والسلاطين مصاغة بشكل جميل جدا !

وشهدنا جناحا آخر فيه عشرات السيوف والبنادق والدروع المرصعة بالذهب والفضة وبقية الجواهر الخاصة التي اهداها السلاطين والأمراء والملوك في مراحل زمنية مختلفة  وبعض من هذه التحف المهداة مؤرخة ومكتوب عليها اسم مهديها وتاريخ الإهداء ومنزلته ونفس الحال يتكرر في خزائن اخرى للهدايا الفضية المتعددة الأشكال والانواع المعمولة بطرق جميلة رائعة .

شاهدنا ايضا انواعا عديدة من تحف الزجاجيات منها الكريستال الثمين والشمعدان بألوانه الزاهية واحجامه المتعددة وخطفت عيوننا منقلة نار مرصعة بالؤلؤ في وسطها ياقوته حمراء ولا يفوتني هنا ان اذكر الدرة اليتيمة التي شاهدناها ويزن حجمها ما يقارب الكيلو غرام ولا يوجد نظيرا لها في العالم لحد يومنا هذا!

كما يوجد ايضا بعض الصناديق الخشبية القديمة جدا وباب الضريح القديم الذي استبدل سابقا بآخر جديد وسلسة حديدية قوية علقت فيها اول ثريا كبيرة على الضريح العلوي وتحف معدنية ونحاسية متفرقة أخرى .

بقت هناك حقيقة مهمة يجب ان يعرفها القارىء الكريم : ان كل تحفة من التي تضمها الحصينه مصورة فوتوغرافيا وتحتفظ برقم رسمي وتحظى برعاية دورية بالغة .

كان بودي ان ابقى اكثر مع كنوز امير المؤمنين لأن المتعة فيها كبيرة لكن وقتنا لا يتسع وما انتهينا من ذلك ذهبنا سوية الى السيد امين العتبة الذي كان في انتظارنا شكرته وقلت له سيدنا الجليل لدي بعض الملاحظات التي تجمعت لدي في هذه الجولة اود ان اطرحها عليك قال : انا في خدمتكم  تفضلوا معي اولا الى مائدة الطعام فهذا زاد امير المؤمنين لضيوفه الكرام وخلال تناول الطعام

سألته : متى نرى كنوز أمير المؤمنين قد وضعت في متحف يكون في خدمة الزائرين ؟ ومتى نجد المكتبه العلوية المخنوقة بالكتب تأخذ مكانا واسعا رحبا يليق بها ؟

اجاب سماحة السيد : كنت اتوقع مقدما ان تسألني مثل هذا السؤال وحتى تطمئن اخذنا كل ذلك بنظر الأعتبار في التوسعة الجديدة للعتبة التي بدأنا بدق ركائزها على الأرض وتمتد مساحتها من السياج الغربي وتحديدا من خلف رواق ابي طالب وحتى مرقد صافي الصفا اليماني وهي مساحة هائلة وهي اكبر توسعة بتاريخ العتبات المقدسة في العراق يستغرق انجازها عدة سنوات .

سيكون لدينا بأذن الله متحف كبير بالمواصفات العالمية التي تأخذ بنظر الأعتبار الأحتياطات الأمنية اللازمة والمساحة والأنارة وطريقة العرض التي ستقوم بها شركات عالمية متخصصة  . وكذا الحال بالنسبة للمكتبة ستجد ان شاء الله في واحدة من زيارتك القادمة وقد اخذت مكانها في فناء واسع وبأمكانك الآن ان تشاهد مجسم مصغر لهذه التوسعة الجديدة منصوب في صالة الأستقبال وفعلا توجهنا لاحقا للمستشار المهندس مظفر محبوبة الذي تفضل مشكورا وشرح لنا كافة التفاصيل الذي يضمها هذه المجسم الجميل الذي يُعد ثورة رائدة في عالم العمارة الأسلامية .

واتمنى أنا < اذا كان في العمر بقية >  ان ارى هذا الصرح العملاق قد اخذ مكانه في خدمة زوار الأمام < ع >.

في خاتمة المطاف اقول بأمانه : هناك العشرات من مشاريع البنية التحتية والفوقية انجزت تماما وأخرى في طريقها للأنجاز لايسمح المقام ذكرها بهذه العجالة وكما قلت سابقا تبقى عيون الزائرين للعتبة العلوية المباركة خير شاهد على هذا المعنى وليس ابواق الأعلام المغرض .

شكري الجزيل لسماحة السيد مهدي الحسيني امين العتبة والى السادة المستشارين الأعزاء وبقية الاخوة الكرام الذين رافقوني في جولتي لمشاريع العتبة وتحملوا مني عناء عشرات او ربما المئات من الأسئلة التي طرحتها عليهم .

والى حلقة اخرى قادمة

 
السويد في 22 / 2 / 2012










 

free web counter