| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبــــاس العــــلوي
alawiabbas@hotmail.com

 

 

 

                                                                                   السبت 18/2/ 2012



مشاهد من زيارتي الأخيره للعراق
(1)

عبــــاس العــــلوي

زرت العراق مؤخرا ما بين 15 / 12 / 2011 وغاية 14 / 1 / 2012
وتصادف خلال هذه الرحلة مناسبات دينية عديدة اهمها كانت زيارة الأربعين الحسينية التي قطعت فيها اغلب شوارع بغداد الرئيسة المؤدية الى محافظة كربلاء اضافة الى التفجيرات المدوية التي حدثت في العاصمة على خلفية قضية السيد طارق الهاشمي لهذا السبب قررت الذهاب فورا الى مدينة النجف حيث المكان الآمن رغم الوعكة الصحية المريرة التي اصابتني .
في النجف بدأت مشوارا جديدا من المشاهدات لمختلف المعالم الأثرية والتراثية اضافة الى محاضرة عن الأستثمار < حاضره ومستقبله في العراق > اقامتها لي مشكوره غرفة تجارة النجف وقد حضرها نخبة كبيرة من اساتذة الجامعات والتجار والمستثمرين وعدد من البرلمانيين والمسؤولين في المحافظة وقد غطتها العديد من أجهزة الأعلام العراقية والعربية .

في العتبة العلوية المقدسة

التراث بمختلف انواعه كان ومازال من جل اهتماماتي ولي فيه عدة دراسات نشرت سابقا والآخر مازال مخطوطا. وفي كل زيارة الى مدينة النجف احرص بادىء ذي بدء ان ازور العتبة العلوية المقدسة لأرى مقدار التطور العمراني الحاصل فيها .
في صباح يوم 24 / 12 / 2011 التقيت بالسيد مهدي الحسيني امين العتبة وقد استقبلني الرجل بترحاب كبير وأخذني في جولة طويلة لمرافق العتبة على مرحلتين الأولى استغرقت خمس ساعات تقريبا وفي يوم آخر ثلاث ساعات ونصف .
وقبل الدخول في تفاصيل الزيارة لابد لي في البداية ان اتحدث عن الرجل الذي تحمل ثقل هذه المسؤولية بصدق وأيمان وتمكن بظرف زمني صعب من تجاوز العقبات التي اعترضت طريقه في اعمار الروضة . كما اعلم انا يقينا ان سماحة السيد لا يقبل أبدا ان يمدحه او يطريه احد في كافة وسائل الأعلام السمعية والبصرية لكن من طرفي اعتقد ان الحقيقة هي ملك المجتمع ناصعة بيضاء وتبقى دائما اكبر من صاحبها .

امين العتبة من عائلة نجفية عريقة ، ذو خلق رفيع وأدب جم ، كريم النفس حلو المعشر دائم الابتسامة ، تكتنفه جاذبية خاصة يجعل في لقائك الاول تعرفه منذ اعوام خلت !
واسع المعرفة ، قوي الذاكرة ، صريح في كلامة ، عميق في عباراته ، يحدثك عن النجاح والأخفاق بميزان واحد ولا يخفي عليك شيئا ، يتعامل مع الوافدين عليه بمقدار عقولهم ومنازلهم وفي مكتبه العامر يستقبل بشكل دائم كبار ضيوف الروضة المقدسة ، سجي في طبعه ، نشط في عمله ، يدير بأقتدار الاجتماعات الخاصة بالعتبة مع هيئة المستشارين المعروفين بالمهنية والنزاهة لساعات طويلة فضلا عن تفقده اليومي لكافة مشاريعها العمرانية والأدارية والثقافية دون كلل حتى لو جاء ذلك على حساب صحته !
خلال عمله في العتبة العلوية كسب احترام مختلف المراجع العظام وثقة الأعيان والمسؤلين الكبار في الدولة وبمقدار هذه الثقة لا يخلو الحال من المنغصات خاصة من الأطراف المتصيدة بالماء العكر التي تحاول بشتى الطرق بين فترة وأخرى النيل منه في المنتديات الخاصة او في وسائل الاعلام احيانا !

يعمل الرجل بجد وصمت خارج اسوار الاعلام على عكس غيره من المسؤولين الذين يستخدمون الأعلام في كل صغيرة وكبيرة لغاية في نفس يعقوب ، وحينما سألته عن سبب صمته عن النقد اللاذع الذي تعرض له في واحدة من خطب الجمعة التي كانت تنقل على الهواء من مدينة النجف أجابني وبهدوء المقتدر :
ردنا عليه كان تحريريا مشفوعا بالأدلة والوثائق وطلبنا ان يتأكد بنفسه قبل ان يطرق ابواب الأعلام أما نحن فلا نحتاج الأعلام وتكفي عيون الزائرين لمرقد الأمام ان تشهد على انجازاتنا التي مازلنا نعتبرها دون مستوى الطموح ولا نبالي اطلاقا لمن ينفخ في بوق مشروخ لاسيما ونحن الآن في زمن الفضاء المكشوف وحتى تطمئن انت على هذا المعنى سوف اخذك معي بجولة واسعة لكافة مشاريعنا لتكون شاهدا على الحقيقة !!
قلت له : سيدنا انا سعيد جدا بهذه الدعوة لأني قادم اليكم من القطب الشمالي من الكرة الأرضية  و بأمس الحاجة لأن ارى الحقائق بعيني دون مزايدات. اجابني : إذن لنبدأ مشوارنا من هذه اللحظة .

خرجنا سوية من صالة الأستقبال وكان يصطحبني أحد اخواني وفي بداية التجوال لفت نظري مرمر الثايسوس الأبيض الجميل الذي يمتص حرارة الجو ويبقى محافظا على برودته وقد غطى أكثر من 6000 متر من ارضية الصحن الشريف. اضافة الى قيام ادارة العتبة بتغليف جميع أرضية وجدران الغرف المحيطة بالصحن بطابقيه العلوي والارضي بالمرمر الأخضر والسقوف بالمرايا والثريات وأكسب المرقد المقدس جمالية كبيرة واظهره بالمظهر اللائق .

وصلنا الى رحاب المنجز الأكبر في تارخ العتبة وهو رواق ابي طالب وقد شكل بدوره توسعة لضريح الامام علي < ع > من الجهة الغربية بمساحة 1200 متر مربع تتسع ل 2500 مصلي في وقت واحد !
يُعتبر الرواق الذي افتتح مؤخرا في عيد الغدير الماضي < 13 رجب > بحق تحفة هندسية معمارية رائعة استغرق انجازها سنوات عديدة من العمل الشاق.

تجد الآن امام عينك ثريات الكريستال الجميلة والمرايا الناصعة واعمدة المرمر الخضراء والكتيبة القرآنية الرائعة التي تم توضيفها بشكل يتماشى مع الريازة المعمارية للجزء الآخر من الضريح المقدس !
لأول مرة في هذا المكان الطاهر وبحسابات فلكية وهندسية فريدة تم تعديل اتجاه القبلة بعد استحصال موافقة المراجع الكرام .

اصطحبنا سماحة السيد الذي اكثرنا عليه الاسئلة الى مسجد عمران بن شاهين الذي يقع في الجهة الشمالية من العتبة وقد تأسس في اواسط القرن الرابع الهجري في زمن عضد الدولة البويهي كما تقول كتب التاريخ ويُعتبر من اقدم مساجد النجف على الأطلاق وتم العبث به في ثمانينيات القرن الماضي من قبل النظام السابق من خلال التجاوز عليه بقصد تغيير معالمه التراثية المعروفة .

رُمم المعلم التاريخي بشكل جميل يتناسب مع هيبة وقدسية المكان وجرى إصلاح ما أصابه من اضرار بالغة اضافة الى صب ارضياته التي اكسيت لاحقا بالمرمر وغلفت جدرانه بالطابوق المنجور ليظهر في نهاية المطاف بحلة هندسية جميلة رائعة !
وما ان انتهينا اخذنا السيد الى المدرسة الغروية التي تأسست في أوائل القرن الحادي عشر الهجري وقيل عنها في كتب التاريخ : انها مدرسة الصحن الكبرى وابتدأ تخطيطها مع تخطيط الصحن الشريف الأول. وينسبها (البراقي) إلى الشاه عباس الصفوي الأول كما وصفوها في مرحلة زمنية معينة بالمدرسة البراقية وموقعها في الجهة الشمالية من الصحن وبابها من الايوان الثاني بعد الايوان الأول من الصحن الشريف.

هذه المدرسة العتيدة التي تخرج منها كبار العلماء والمراجع على مدى العصور لم تسلم هي الأخرى من العبث والتخريب والأهمال تحت عناوين شتى !
جرى والحمد لله اعادة اعمارها بشكل جميل انيق وتتكون من ثلاث طوابق ويُدّرس فيها الآن اساتذة وعلماء الحوزة النجفية خلال ايام الأسبوع طلابهم مادة < البحث الخارج > وهي مرحلة متقدمة جدا في دروس الحوزة وقد يحصل المتفوق فيها لاحقا على درجة الاجتهاد في الفقه الاسلامي .

خرجنا من المدرسة الغروية ووقفنا في واجهة الأيوان الذهبي < مقابل جهة سوق الكبير > وقد زين الإيوان الذهبي ظفيرة ضخمة من الذهب الخالص، كما يحتوي في أعلاه على مقرنصات ذهبية كبيرة متدرجة نزولا إلى الثلث العلوي من الإيوان تقريبا، وهي من الفخامة والجمال بمكان تلفت النظر وتبهر النفس لدى زائر الأمام .

وجدنا العمل ماشيا على قدم وساق لأعادة طلاء المقرنصات الجميلة بالذهب الخالص بعد ان فقدت بريقها خلال القرن الماضي وأخذ لونها يميل الى السواد قال لنا سماحة السيد :
هذه المقرنصات الجميلة المعقدة التركيب صنعها الحرفيون الهنود < يُقال في عام 1170 هجرية > ولانستطيع انتزاعها من مكانها ولو فعلنا ذلك سوف يتعذر علينا تركيبها على الشكل الذي تراه الآن وهنا ظهرت لدينا مشكلة معقدة هي كيفية طلائها في مكانها وبعد مشورات عديدة اجريناها مع الجامعات العراقية والأجنبية والخبراء المتخصصين في علوم الكيمياويات والحرفيين الذين لديهم تجارب سابقة اهتدينا الى طريقة مبتكرة < الرش بنوع من الغاز > نجحت في الأختبار الذي قمنا به على عينة صغيرة انتزعناها من نفس المكان ثم بدأنا العمل بالطلاء الذي تراه امامك وقد بلغ الآن مرحلة متقدمة واضاف سماحته : سنقوم لاحقا بتذهيب واجهة الأيوان بالكامل بما فيها المنارتين والقبة الشريفة .

لم يتعب امين العتبه من هذا الشرح الطويل ولامن ضيوفه الذين اثقلوا عليه بالأسئلة فقال لنا : دعني اصطحبكم الى الجناح الثقافي والأعلامي للعتبة صعدنا معه من خلال احد السلالم الى المكان المخصص وتفاجأت بوجود ثلة من الشباب الجامعي المتعلم والمتخصص بالأعلام وامامهم اجهزة تصوير وكاميرات ومعدات بث تلفزيوني حديثة راقية لم ارَ نظيرا لها في شبكة الأعلام العراقي ، تمهيدا للشروع بالبث التجريبي لفضائية العتبة .

من طرفي حاولت ان استبين مدى معرفة هؤلاء الشباب بهذه المعدات وبمهنة الاعلام عموما وبعد مجموعة من الأسئلة الدقيقة وجهتها لهم وجدتهم بحق شبابا متنورين تعقد عليهم الآمال .
وما ان خرجنا من هنا اخذنا سماحته الى غرفة السيطرة الأمنية التي تشرف < امنيا > على العتبة وهي مزودة بمجموعة كبيرة من الكاميرات الحديثة التي تراقب حركة الناس من والى العتبة في مدار 24 ساعة يوميا ومن خلال هذا النظام المتطور تجد امامك عدة شاشات تلفزيونية ترى فيها حركة الداخلين والخارجين من مختلف الجهات التي تحيط بالحرم العلوي وبأمكان هذه الكاميرات ان يمتد تشخيصها الى مسافة 500 متر من أي اتجاه كان واذا حصل اي طارىء امني او أي تصرف ما يثير الشكوك هناك خط ساخن يربط غرفة السيطرة بالجهات الأمنية في المحافظة .

وما ان عدنا الى فناء الصحن الشريف مرة اخرى سألت سماحة السيد عن موضوع المظلات الهدروليكية الألمانية الضخمة التي طال الحديث عنها في اجهزة الأعلام العراقية ؟
قال سماحته : نعم مادمنا نحن هنا واقفين دعني اريك اولا واحدة من مواقع الحُفر التي قمنا بها في الصحن الشريف وعددها < حسبما اتذكر > ثمانية في مواقع مختلفة لتنصب فيها لاحقا هذه المظلات وكل حفرة منها بعرض يتجاوز المتر وبعمق ثلاثة امتار وربما اكثر ، اما بالنسبة للمظلات التي تماثل نظيراتها بالحرم النبوي فالمبلغ الأجمالي العام لها < حسبما اتذكر > يتراوح بحدود 15 مليار دينار عراقي وهو على حساب مشروع < النجف عاصمة الثقافة الاسلامية > وقد عقدنا في بداية الأمر مع الشركة المعنية مذكرة تفاهم وما بعدها سافر وفد من طرفنا الى المانيا وبعد مداولات وحوارات طويلة ابرمنا الأتفاق النهائي وقريبا انشاء اللة سوف ننصب الدفعة الأولى منها وسيتزامن ذلك مع الاحتفالات بمهرجان بالنجف كعاصمة اسلامية .

استغرقت جولتنا ساعات عديدة ولم نر الا الجزء القليل من المشاريع المنجزة لكن الوقت داهمنا وحينها طلبت من سماحة السيد ان نستكمل بقية الجولة في يوم آخر استجاب الرجل مشكورا لطلبنا لكنه قال : كيف تغادرون قبل ان نتبرك جميعا بزاد امير المؤمنين ؟ اجتمعنا سوية على مائدة الطعام المباركة وخلال الغذاء توجهنا اليه بمجموعة اخرى من الأسئلة فأجاب عليها جوابا شافيا وبصدر رحب !

وإلى حلقة اخرى نستكمل فيها بقية الحديث .

 


السويد في 18 / 2 / 2012










 

free web counter