| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عدنان عاكف

 

 

 

الأثنين 9/1/ 2012



أفتخر بكوني شيوعي

عدنان عاكف

كانت لحظة ميلاد العلم الحديث قد بدأت باكتشاف كوبرنيكوس لنظريته التي أطاحت بالأرض من مركزها البهي المقدس، الذي احتلته منذ عهد طيب الذكر بطليموس وأجلس الشمس بدلا عنها .ومع ان الحضارة العربية الإسلامية لم يكن ينقصها إلا الوثبة الأخيرة لتصل الى العلم الحديث لكنها عجزت عن القيام بها ؟ تُرى لماذا ؟ لماذا عجزت عن القيام بذلك، في حين تمكنت الحضارة الغربية من انجاب العلم الحديث ؟ مع ان العرب كانوا متقدمين على كل من الصينيين والأوربيين في علوم مهمة مثل الفلك والحساب والجبر والهندسة. هذا ما سوف يناقشه العالم الأمريكي توبي أ. هاف في كتابه الذي، ارتأينا قراءته سوية مع بعض القراء، وبغض النظر عما اذا كانوا يعتقدون بوجود الحضارة العربية الاسلامية ام لا. وقد ارتأيت تقديم هذا الكتاب بهذه المقدمة التي استلهمتها من تعليقات بعض الزملاء التي نشرت خلال الأسابيع الأخيرة والمتعلقة بالموقف من تلك الحضارة. هذا الكتاب يتحدث عن ما قدمته الحضارة العربية الإسلامية للحضارة الإنسانية في مجال علم الفلك. وقد يكون نافعا كمصدر لمن لا يزال يُكابر بعناد برفضه تلك الحضارة. وهذه بعض التعليقات:

قبل بضعة سنوات طالب أحد الزملاء من الذين لمع اسمهم على موقع الحوار المتمدن بعزلي فكريا وسياسيا، وذلك لمجرد اني أكدت على ان علماء الطبيعة العرب والمسلمين والكثير من علماء الدين المشهورين كانوا يؤمنون بكروية الأرض. وجاء ذلك في سياق الرد على بعض الشيوخ السلفيين الذين ما زالوا يرفضون كروية الأرض، وكذلك للكشف عن بطلان ما يروج له أنصار الإعجاز العلمي. وبعد نشري لمقالة أخرى، تؤكد وفق شهادات مؤرخي العلوم في أكثر من بلد غربي، ان البيروني قام بقياس محيط الأرض وذلك للتأكد من القياسات التي تم الحصول عليها في عهد الخليفة المأمون، انبرى أحدهم ليطالب علنا بمنعي من النشر على موقع الحوار المتمدن. وعلى أثر نشر مقالة مترجمة كانت تشكل خلاصة كتاب لأستاذ أمريكي، كان يحمل عنوان " المسيحية وعمر الأرض " لم يتردد أحد المعلقين بوصفي أروج لأفكار مجموعة من المسيحيين المحافظين. وحلت مرحلة من السبات بسبب انقطاعي عن المواصلة مع موقع الحوار، لأسباب شخصية بحتة . عُدت بعدها لمتابعة ما ينشر. ومن تعليقاتي الأولى بدأ الغمز بشأن وضعي المحير بسبب تأرجحي بين الشيوعية والإسلاموية، واني أعاني من ازدواجية في الفكر والعقيدة، وذهب البغض أبعد حين تحدث عن عقد نفسية حادة أعاني منها.

لاشك ان ردود الفعل المتشنجة تؤشر الى ان أصحابها لا يؤمنوا بالحوار الفكري الصريح ولا يطبقون الأراء المخالفة لآرائهم. لكن خطورة مثل هذه المواقف الفكرية لا تتوقف عند هذا، بل هي مؤشر على ان البعض لا يتردد في كبح الآراء المخالفة في اللجوء الى أساليب الأنظمة الحاكمة التي تلجأ في حالة أزماتها السياسية، وخاصة في مواجهتها مع قوى المعارضة، الى اتهام تلك القوى بالعمالة والارتباط بقوى أجنبية أو تنظيمات ارهابية. سأتوقف عند بعض الأمثلة من تعليقات نشرت خلال الأسبوع الماضي حول مقالة لي تتحدث عن بعض جوانب الفكر الجيولوجي في العصر الوسيط.

أحد الزملاء، وبعد أكثر من تعليق اتهمني بالتزوير، كتب: " فكل من يزعم أن هناك حضارة إسلامية يزعم كذباً. الإسلام والعلم ضرتان لا يمكن أن يجمعهما سرير واحد. طيب دكتور النجار كيف يستطيع الدكتور والشيوعي عدنان عاكف ان يوفق وهو يحمل في احدى يديه كتب ماركس وانجلس ولينين وفي اليد الاخرى قرآن محمد؟؟ وهذا السؤال اوجهه الى المفكرين الماركسيين فؤاد النمري وجاسم الازريجاوي؟؟ الدكتور عدنان متخصص بعلم الجيولوجيا ويبدو لي متأثر بالدكتور زغلول النجار وهو دكتور بعلم الجيولوجيا إيضا ومتخصص بالإعجاز القرآني."

ماذا تفعل أيها القارئ العزيز مع من يبيعك الفكر وهو لا يجيد القراءة، أو قد يجيدها ولكنه لا يقرأ ؟ قبل أيام معدودات فقط أشرت بكل فخر الى مقالة لي نشرت قبل أكثر من 30 سنة في جريدة " الفكر الجديد " التي كان يصدرها الحزب الشيوعي وكانت بعنوان “ مفهوم الزمن الجيولوجي عند البيروني “. نشرت المقالة أبان الحملة المسعورة التي شنها النظام ضد الشيوعيين والديمقراطيين. في حينها عاتبني صديق عزيز وقال : لا يقدم على نشر مثل هذه المقالة وفي ظروف كهذه إلا انسان معتوه. فان فَلتَ من تهمة الشيوعية فلن تفلتْ من تهمة الالحاد ". لو كان الزميل المحترم مهتم حقا بمسألة الاعجاز العلمي وكان يتابع ما ينشر حولها لعرف ان عدنان عاكف كان من الأوائل الذين تصدوا لمسألة الاعجاز في العلوم الطبيعية، وخاصة ما يتعلق بعلوم الأرض وعلم الفلك. ولو أتعب نفسه قليلا لعثر على موقع الحوار المتمدن على أكثر من مقالة في هذا الشأن. وسيجد بالتأكيد اسم زغلول النجار كأحد الذين تناولتهم بالنقد.

واليكم تعليق زميل آخر وهو يتحدث عنا نحن المغيبين عقليا وفكريا وعلميا. وهذا يعني ان الزميل يكاد يقولها بصراحة اني أفتقر الى العقل، وذلك تأكيدا لنظرية د. النجار التي عبر عنها جهارا من على منبر الجامع “ العلماني “ بقوله : ان الإسلام سلب المسلمين عقولهم منذ 1400 سنة. يقول الزميل:

" النجار المحترم.. اتعجب من المغيبين عقليا وفكريا وعلميا من اين جاءوا بمفهوم الحضارة و كيف كان للمسلمين حضارة و اين آثار هذه الحضارة اليوم؟ اين الدليل عليها؟ خصوصا اذا علمنا ان هذه الحضارة المزعومة لم يتعدى عمرها سبعة قرون و هي في اوجها في احسن الأحوال...".

لنقرأ ما ورد في نهاية تعليق مطول كان موجه الى د. كامل النجار:

" السيّد عاكف يُعاني من صراعات نفسيّة غاية في التعقيد
فهو شيوعي كما يُعلن ,وإسلامي متطرف من الداخل
تحياتي لعودتكَ ثانيةً أستاذي كامل النجار نوّرت الدنيا". وقد عقبت قائلا :

"الأستاذ المحترم
تتهمني باني أعاني من عقد نفسية لكوني شيوعي وإسلامي معا.
أفتخر بكوني شيوعيا، فكريا وتنظيميا. وأفتخر بكوني مسلم وأحترم جميع الناس الطيبين من كل الأديان ". فجاء الرد ليقول محذرا : إمشي جنب الحيط وإلا !! يقول الزميل:

" لكَ أن تفخر بحمل المتناقضات
ولنا أن نستعجب ذلك , ما دمنا نلتزم حدود أدب الحوار"

ليس لدي مشكلة مع الأدب والأخلاق من الناحية الشخصية،، فانا لا أبالي بما يقوله البعض بشأني ، ولست بانتظار تزكية من أحد، خاصة من مفكر يعتبر الحديث عن الحضارة العربية الاسلامية يتناقض مع الفكر الشيوعي. لكن المشكلة - وكما تبدو من تعليقاته - تكمن في انه لا يعترف أصلا بالحوار كي يلتزم بأدبه. ما دام عدنان عاكف يخالف ما يقوله المبجل ومعلمه الأول فهو بالضرورة عاق وزنديق ، تخطى الخط الأحمر، ومختل عقليا، واسلامي متطرف. لو عاد السيد زميلنا الى الثورات العربية التي يدّعي تأييدها فلا بد ان يتذكر جيدا ان أدب الحوار الذي يتحدث عنه منسوخ (ولكن مع تشويه) من أدب الحوار الذي اتبعه الزعماء العرب الذين خُلعوا والذين ما زالوا يترنحون. بدأها الرئيس التونسي بالحديث عن دور الإسلاميين، ثم انتقل الى موجة أعلى في تهديد الغرب من مجيئ الإسلاميين الى الحكم. وسار مبارك على نفس النهج. ثم تبعه القذافي وصاحب اليمن وها نجد نفس الأسلوب لدى النظام السوري. ولكن والحق يقال ان الزعماء العرب كانوا أكثر حنكة وذكاء، لأنهم اكتفوا بتهمة " الإسلامي “. في حين ان الزميل . . . أضاف اليها تهمتين، تستدعي الاستعانة بوكالات المخابرات الأجنبية ومكاتب التحقيقات الدولية للكشف عن أسرارها. فهو لم يكتفي بالإسلامي بل حدد الصفة أكثر بإضافة صفة " المتطرف " . أما التهمة الثانية والتي لو ارتبطت بالتطرف فالويل لك يا عدنان : اسلامي متطرف ومختل عقليا. لن تكفي كل الكلاب البوليسية ومكاتب التحقيقات الفدرالية المنتشرة في العالم لمتابعة هذا المجرم الخطير .

أعتذر للسهو. لقد ورد اسم السيد . . . دون تقديم أية ايضاحات بشأنه. ومن أجل ان لا أتهم بالتشويه والتزوير ( كما اتهمني احد الزملاء ) أتركه يقدم نفسه كما ورد في تعليقه الذي جاء كرسالة حب وتقدير للسيد النجار :

"ولا يسعني هنا ألا أن أتفق مع ألعزيز . . . بقوله - السيّد عاكف يُعاني من صراعات نفسيّة غاية في التعقيد. فهو شيوعي كما يُعلن ,وإسلامي متطرف من الداخل -, وأضيف أن هذا ألوصف ينطبق أيضا على ألبعض ألآخر من ألشيوعيين, كما أسلف بعض السادة ألمعلقين أعلاه ".

ألا تلاحظ أخي القارئ كيف تسري النار في الهشيم ؟ السيد رعد رمى طلقة في الهواء فتصورتها مجردة غيمة صيف، سرعان ما تمر، ومثل ما تقوله الأغنية الجميلة “ حجيك مطر صيف / ما بلل اللي يمشون “. ولكن سرعان ما تلقفها البعض .. السيد الربيعي أضاف بعض الفلافل والبهارات الى ما قيل فأضاف ضرورة الحذر من الشيوعيين الآخرين.. احذروا أيها الشيوعيون !!

هذه مجرد نماذج من تعليقات اطلعت عليها خلال الأيام السابقة. أين هو الحوار؟ وبصراحة لم أعد أطمح بالسؤال عن الحوار المتمدن. وبوسع القارئ العودة الى التعليقات التي وردت على مقالة د. النجار الأخيرة عن الجبال وسيجد انها انحصرت في قضيتين لا غير: تقديم الشكر والتحية لهذه التحفة العلمية والفكرية، والكشف عن هذا الشيوعي الإسلامي المتطرف الذي يعاني من عقد نفسيه.

ويبقى على البعض من السادة ، دعاة " العلمانية " و " حرية الفكر " ان يعلموا ان تهمة العقد النفسية و التطرف الإسلامي التي يسعوا الى ترويجها ، لا علاقة لها من قريب أو بعيد بما يدعوه من فكر تقدمي وعلماني. والحديث عن التناقضات التي أجمع بينها لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالحوار الفكري ؛ انها ليست أكثر من حملة ارهاب فكري، بلطجة فكرية، لن تنال من موقفي الذي كرست له سنوات طوال والذي يتلخص في بذل كل ما بوسعي من أجل إحياء تراث الشعب العراقي بكل أطيافه ومكوناته القومية والدينية وفي مقدمتها التراث العربي الإسلامي. ان اهتمامي بالحضارة العربية الإسلامية كان بدافع المساهمة مع الكتاب التقدميين في العالم العربي من أجل إحياء التراث التقدمي في الفكر والثقافة والفلسفة والعلم. وزادتني الأوضاع الشاذة التي يمر بها العراق منذ عقود والأوضاع في العالم العربي إصرارا على الكشف عن صورة بلاد الرافدين الحقيقية التي مزقتها القوى السياسية الطائفية المتنفذة ونشرت فيها ثقافة القتل والتخلف والتعصب، تلك الصورة التي تؤكد بان هذه البلاد كانت منذ القدم يلد التسامح والعيش المشترك بين مختلف الأمم والشعوب.

قلتها في تعليق سابق اني أفتخر بكوني شيوعي، ولي الشرف ان أكون مسلم، وأحترم كل الناس الطيبين من جميع الأديان. أما بشأن التناقضات التي كتب عنها البعض، فاني لا أنتظر منهم العلاج. بل فوضت أمري الى النظام الداخلي للحزب الشيوعي العراقي، الذي أكد بوضوح على ان الحزب :

" يستلهم الإرث التقدمي لحضارات وادي الرافدين والحضارة العربية - الأسلامية وعموم الحضارة الأنسانية، فضلاً عن تراث القوميات والمكونات المختلفة لشعبنا العراقي ورصيدها النضالي..." !!!




 


 

free web counter