| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

أحمد عبد مراد

 

 

 

                                                                                  الأثنين 26/9/ 2011



عندما تبكي الرجال

احمد عبد مراد  

عهدتهم ابطالا اشداء على الصعاب ،عبروا المنعطفات وكانوا مع الموت وجها لوجه ،لم يلتفتوا الى الوراء انهم اعتادوا المضي قدما ،قهروا الظروف وسخرّوها لمسيرتهم النبيلة والمشرفة ، عايشوها بكل اهوالها ومخاطرها وتحدياتها،بردا وحرا ومطرا، انها مسيرة طويلة في اراض شاسعة ووديانا سحيقة وقمم جبال تعانق السماء ، مخاضات عسيرة ومضنية،،انهم رفاق درب طويل جاءوا من كل حدب وصوب من الفاو وحتى زاخو تجمعوا حول هدف غايته النبل والاصالة تركوا كل شيء ورائهم الّا مصلحة العراق وشعبه حملوا هموم الوطن والمواطن وقدموا الشهداء جمعا وفرادا قرابين من اجل هدف امنوا به دون التفكير بدافع المصلحة والمنفعة الشخصية ،زادهم رغيف خبز وقطعة جبن، تأبطوا سلاحهم، وجل ما يملكونه عليجة ظهر (قطعة قماش خيطت لحفظ بعض الحاجيات وتحمل على الظهر) في مسيراتهم الطويلة المليئة بالمخاطر والمحن والصعاب كانوا ينشدون ويغنون (يلرايح للحزب خذني وبنار المعركة ذبني) عبروا نهران كردستان الهادرة في عز برد الشتاء وهدير مياهها الذي قارب التجمد ووصل حد الصدور وعند وصول اليابسة تلفحهم رياح باردة تكاد ان تجمد اجسادهم فيلجأوا الى اشعال النار ليتقوا بها ذلك الزمهرير ويعاودا ارتداء ثيابهم الجافة بينما كانت النصيرات تجف ثيابهن فوق اجسادهن لانهن لا يمكن ان يخلعن ثيابهن ويعبرن النهر كما فعل رفاقهن وكن يرتجفن بردا بينما تعلوا وجوههن ابتسامة الاصرار والتحدي، واستذكر هنا الرفيقة بدور واختها الاكبر عندما كن يخضن في مياه الروبار (النهر) بكل شجاعة واقدام وبدون اي تردد او تشكي واضعات بنادقهن وحقائبهن فوق رؤوسهن ليخرجن الى الضفة الاخرى من النهر ليعصف بهن تيار هواء بارد يجمد الدم في اطراف الاصابع ،انها لذكريات لا يمكن شطبها من الذاكرة ولا يمكن نسيانها.. او العبورعليها كيفما اتفق.

نعم لقد كبرنا وكبرت بنا السنون وقد كبرت معنا ذكرياتنا ولكنني لا يمكن ان انسى يوما بكى فيه الرجال الاشداء لا بل انتحبوا ليس خوفا ولا ترددا ولا جبنا، بل حزنا واسى واسفا، كيف لا وقد امروا بترك السلاح،انها مفاجئة لم تكن متوقعة ولم يحسب لها الثوار حسابا انه خبر وقع عليهم كالزلزال،، ولكن كيف واين ومتى حصل ذلك ؟.. كان العام 1988 وقد اعلن الخميني قبوله وقف الحرب مع العراق عندها احتفل الشعب العراقي من اقصاه الى اقصاه ليس بانتصار العراق كما صوره جلاوزة صدام الجرذ الجبان وانما تخلصا من بلاء الحرب وحزب الجبناء الذي كان يجثم على صدور العراقيين ويعدم ابنائهم تحت شتى الواجهات بمافيها – جبان – هارب – عميل، اصول ايرانية، الخ.. من التهم الجاهزة.

قبل الهجوم وقبل وقف القتال وصلتنا اخبار تؤكد ان النظام سوف يشن حربا طاحنة على قوات البيشمركة لا تبقي ولا تذر وصدق النظام بما وعد فيه وهو صادق دوما بالحاق الكوارث والجرائم والمآسي بشعب العراق والشعوب المجاورة وفي شهر اب من العام 1988 شن النظام هجومه العسكري وبكل اسلحته وكان يعلم تماما ان البشمركة بما فيها قوات الانصار التابعة للحزب الشيوعي العراقي سوف لا تهزم بالاسلحة التقليدية فكان لابد من استخدام الاسلحة الكيمياوية المحرمة دوليا ولكن اين صدام وحزبه العاق من الحلال والحرام فراح يصب جام غضبه ليس فقط على قوات البيشمركة وانما على الشعب الكردي بدون تمييز فقتل الزرع والضرع قبل البشر ولما لم تكن لدى الانصار من سلاح او وسيلة يحتمون بها من هذا السلاح الفتاك فقد اضطرت قواتنا الانسحاب الى الحدود التركية بغية الابتعاد عن تأثير السلاح الكيمياوي والتي لا توجد وسيلة لدى الانصار لمقاومته ، وقد استغرقت تلك الرحلة حوالي 18 ساعة من السير على الاقدام بعدها عسكرت قوات الفوج الثالث على الحدود التركية العراقيه بغية استجلاء الموقف ودراسته واتخاذ ما هو ضروري، وكان الرفيق (ابو عادل السياسي) يقود الفوج ومعه رفاق اخرين وبعد الاخذ والرد وتدارس الموقف العسكري والسياسي تقرر ارسال مفرزة صغيرة من خيرة الشباب الانصار والذين يمتازون بالجرأة والشجاعة والسرعة لاستطلاع مواقعنا القديمة داخل الاراضي العراقية وتحديدا كلى كوماتا (وادي كوماتا) ومعرفة ما اذا كانت هناك امكانية للالتفاف والعودة الى الاراضي العراقية وتغيير مواقعنا على ان تعود تلك المفرزة في اسرع وقت الى القوات المعسكرة في الحدود العراقية التركية بغية النظر في اتخاذ الموقف المناسب وتحديد نقطة انطلاق جديدة لمواصلة العمل الانصاري وعدم الخروج من العراق الى اراض غير عراقية وان كانت مجاورة واتذكر فقط الرفيق الشهيد عايد (عباس) من افراد تلك المفرزة والتي انطلقت ليلا لتعود فجرا بخبر مفاده ان قوات صدام قد سيطرت على تلك المناطق بما في ذلك (كلي كوماتا) .

كان الموقف شديد التعقيد ويحتاج الى من يتحمل المسؤولية في اتخاذ القرار المناسب ولما لم تكن هناك قيادة متكاملة في منطقة واحدة حيث انقسمت القيادات العسكرية والسياسية حسب الظروف والموقف العسكري ،فكان لابد من ان يتخذ راس الهرم قراره الحازم وبعد التداول في اتخاذ الموقف بين الكادر الحزبي والعسكري اصدر الرفيق ابو عادل بأعتباره قائد الفوج قراره بالتخلي عن السلاح ودخول الاراضي التركية متسللين بين القوات التي سبقتنا من الحلفاء والعوائل دون معرفة قوات الجندرمة وحرس الحدود التركية.

في مثل تلك المنعطفات والمواقف الحادة كان لابد من ان يحتدم النقاش وتطلق الاراء المتحفظة على القرار لا بل تطلق الاتهامات في التخاذل والانكسار والتراجع امام العدو ووصل الحد الى اعلان مجموعة معينة تكتلها وانعزالها واصرارها على البقاء على الحدود ومن ثم التفتيش عن حل بديل ولكن سرعان ما عادت تلك المجموعة عن موقفها للالتحاق بالركب.

في هذه الاثناء انبرت مجموعة من الانصار الشباب بأخفاء السلاح والمعدات للعودة اليها عندما يحين الوقت المناسب ،وعند الغروب كان المشهد حزينا وقاسيا ومؤلما وشديد القتامة لاننا لم نعتد ان نلقي سلاحنا في موقف كهذا ونعبر الحدود متسللين ، بكى الجميع في حرقة والم شديد وتحسسوا المواقف وخافوا من الصاق التهم الجاهزة بالتردد والتخاذل،ولكن ها قد حانت ساعة الوداع وسط نحيب المقاتلين الشجعان نتيجة التخلي ولو مؤقتا عن سلاحهم وهم الذين كانوا لا يغمضون عنه طرفة عين ، فقد كان النصير الشيوعي يأكل وسلاحه في يده وينام ليتوسده ويغتسل بعد ان يؤمن عليه..واليوم يقول له وداعا ولكن الى حين..الى اللقاء ايها الرفاق في حومة جديدة من سوح النضال ومنعطف جديد نحو العلا.

 


 

free web counter