| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

أسامه عبدالكريم

 

 

 

الخميس 1/9/ 2009



تأملات في (التركيب الفني ) للفنان التشكيلي عباس الكاظم:
قدّاس الى صديقي كامل شياع

أسامة عبد الكريم

تعتبر الاجزاء او العناصر التشكيلية التي تؤلف بتجمعها القيمة الجمالية للعمل الفني كوحدة عضوية, ففيه المادة والابعاد الشكلية او التعبيرية والتي يؤثر بعضها ببعض داخل ذلك العمل الفني , وفي هذا التركيب الفني ـ التصوير الضوئي والنحت والفيديو والرسم ـ الذي حمل اسم ( قدّاس إلى صديقي كامل شياع ) للفنان التشكيلي عباس الكاظم (مواليد العراق/1955) نكتشف في البدء العنصر الشكلي ـ ملامح الانسان العراقي ـ الخارجي للتعبير عن الصورة الضوئية (فوتوغرافية) للشهيد كامل شياع عبدالله الذي عمل مستشار ثقافي في وزارة الثقافة منذ عام 2003 , والذي اغتيل قبل عام على يد مسلحين ارهابيين اطلقوا النار من مسدسات كاتمة للصوت في وضح النهار على سيارته في وسط بغداد. وشياع هو كاتب وعمل في ميدان الترجمة و باحث حيث انهى اطروحته بدرجة ماجستير عن اليوتوبيا في بلجيكا , .. هو مقاتل ، فالشهيد ناضل بفكره و قلمه في توغل اكثر فاكثر في معرفة العالم و حقيقة الانسان في الحروب التي قامت بها دكتاتورية نظام صدام و ضد الفاشية البعثية.. وبعد سقوط الدكتاتور توجه ـ بجرأة القرار ـ , بلا تردد في قرارة نفسه, الى بغداد لاستعادة وطن مسلوب, ويقول شياع في احدى مقالاته: (عدت إلى العراق قبل عامين، لأدرك أنني بلغت غاية ما صبوت إليه: أنهاء شعوري بالسأم من الإكتفاء بعدّ سنوات الهجرة، من البقاء بعيداً عن وطن طالما تخيلته جميلاً وأنيساً رغم جنونه وقسوته ، ونزع ثوب الغربة عن نفسي لأرى الواقع كما هو عارياً من اغلفته وبريقه، النطق بلغة المقيم في الوادي لا المتطلع من أعلى التل ، والتعايش بأدنى التوقعات مع مواطن البؤس والغرابة والقسوة. ).

إن حضور صورة الشهيد شياع على المشهد متمثلة بحركة اليد اليسرى للشهيد شياع حيث تستوحذ ـ الانتباه ـ تماماً على المشاهد الذي يتيح له ان يتقبل او يشعر الألم الذي هو جزء لا يتجزأ من التراجيديا كتعبير صارخ ضد الموت ونحن لسنا بصدد المواجهة مع الموت كمشكلة مثالية,حيث يقدم لنا الفنان الكاظم صورة الشهيد شياع على انه الرمز والأنتماء الوطني الذي يشير الى الثقافة العراقية المعاصر في زمن القتل على الهوية , فالصورة الضوئية للشهيد هي رمز العذاب والغضب والثأر والتحدي, وفي نفس الوقت لا تشير الى حالة استغراق في الحلم , ولا ينتظر الموت لكي يقيم الألم , بل يقف امامنا و اصابعه انغمست في تعديل نظاراته فيما تقع عينه على وجوه المشاهدين, كأن شياع يبحث عن قاتله بين المشاهدين أو ان يقبض على وجوههم في تلك الغرفة او في شارع الرشيد او على طريق محمد القاسم الذي اغتيل فيه , وبدون ان يرى شيئا ـ اذا جاز التعبير ـ لكنه يعرف صوت انفاس القاتل في داخل زاوية الغرفة التي تشبه قبو سجن باب المعظم , شبه معتمة ورطبة ومفعمة برائحة البارود كأننا نسمع صوت القاتل على كرسي الاعتراف كدعوة الى تأنيب الضمير بين القاتل والضحية, ويذكرني بقول الجواهري :

أتعلم أن جراح الشهيد      تظل عن الثأر تستفهم
تمـص دماً تبغي دمـا       وتبقى تـلح وتستطعـم

كما استخدم الفنان الكاظم كتلة نحتية تتكون من كرسي وعليه مصباح الكهربائي مضيء ( رمز الفكر التنويري الذي يحمله شياع .. والمصباح الكهربائي يضيء وسط مشهد مسرحي حيث ساهم في تحريك الفراغ على مقعد الكرسي الذي صنع خصيصا للمجرم هو العدو المحتجب,.

ان الفنان الكاظم له القدرة على تحويل الصورة المجردة المندمجة, بواسطة احاسيس مضطربة ونظرة جدية مشتركة , من خلال ملاحظات معقولة :التصوير الضوئي وتوزيع ادواته التي تشبه عمله الفني مع الطبيعة والتي تملك كل الاشارات البصرية والثقافية غير ثابتة و برغم ان خلق اجواء سوريالية مع تحفيز مخيلة المشاهد على البحث عن الحقيقة من التفسير والجمال البصري .

وقد اراد الكاظم , ولا شك , ان يقول لنا شيئاً, ان مشهد أغتيال المثقف في اي مكان في العالم هو من منطق الاقصاء وابعاده عن دوره التنويري والتوجيهي .. هو ذروة الجريمة المنظمة على مستوى النفسانية في التعبير عن واقع مادي وتاريخي معين .. انها فاجعة وهذه من مأساة ثقافتنا الوطنية.


 

 

 


 

free web counter