| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

أسامه عبدالكريم

 

 

 

 

الأحد 17/2/ 2008



فيلم ( بيرسيبوليس ): نظرة نقدية على الواقع في ايران المعاصرة

أسامة عبد الكريم

تتبوأ السينما الايرانية اليوم مكانة متميزة على مستوى العروض والمهرجانات الدولية وجوائزها , نتيجة دعم من الجيل القدامى السينمائي الى جيل من مخرجين الشباب الذين لم يترددوا في السباحة نحو الضفة الاخرى بثقة عالية و بصدق يكاد يحاكي الواقع من دون التزويق او التنميق الجمالي الرخيص. وذلك لتقديم (سينما المؤلف) ذات التوجهات الملتزمة بشكل ما بمسألة التشريح الطبقي والاجتماعي عبر تنويعات وتيمات بسيطة تصل للمتفرج وتتفاعل معه اينما كان.
من بين هؤلاء "مرجانه ساترابي" صاحبة الشريط السينمائي (بيرسيبوليس تعني مدينة الفرس باليونانية),المنجز سنة 2007 . والفيلم من صنف أفلام الرسوم المتحركة ,و مأخوذ من قصص مصورة (كوميكس) التي انجزتها المخرجة ساترابي ــ رسم وكتابة واخراج ــ بتعاون مع المخرج الفرنسي فانسان بارونود. وفاز فيلم (بيرسيبوليس) بجائزة التحكيم لمهرجان كان الدولي للسينما من العام الفائت,و مرشح للأوسكار كافضل فيلم للرسوم المتحركة لهذا العام.

يتناول الفيلم الحياة في ايران الوقت الماضي (عام 1979) بالايام الأخيرة لشاه إيران ,وصعود رجال الدين , عبر بطلة الفيلم ــ المصور بالابيض والاسود ـ وهي طفلة صغيرة (مارجي) عمرها تسع سنوات, , تعيش تجربتها مع ابوين يساريين يتظاهرا من اجل الحقوق الايرانيين وغد اكثر ديموقراطية ,عندما نشاهد مارجي تصرخ في البيت (يسقط الشاه ..يسقط الشاه) ,ويسقط حكم الشاه , ويخرج عمها المتهم بالشيوعية من السجن  وتعم الفرحة قلب عائلة مارجي , لكن سرعان ما تصاب العائلة بخيبة امل من الثورة الاسلامية , فعمها يرجع الى السجن بنفس التهم وتحريض ضد الثورة , ثم يطلق سراحه ويقرر الهروب الى الاتحاد السوفيتي عن طريق تركيا.

استطاعت المخرجة (ساترابي) أن تنقل إخفاقات الثورة الإسلامية الإيرانية حيث تمتلك تنوع المفاهيم في متابعة شكل الحقائق , وأحياناً منطق الأفكار , واحيانا تحليق المخيلة عبر التفاصيل اليومية,مشحونة بتأثير ميلودرامي لاعطاء قابلية للتكيف في حرية المونتاج لكي تجمع المشاهد (اللقطات) من أزمنة وأمكنة مختلفة ,والغاء بعض المسافات واختصار الزمن دون تشويش للمشاهد, على سبيل المثال : مشهد لجبر الحجاب على النساء , أو مشهد بيع موسيقى البوب الغربية الممنوعة من الشوارع ,ورجوعها الى البيت لتسمع موسيقى صاخبة (الروك) مع الرقص وشعرها يتلاعب بالهواء, ومشهد صناعة النبيذ في البيت (الحمام) مع الجدة الحنونة, وتهريب النبيذ الى احد معارفهم, ومحاولة تفتيش السيارة لكن الجدة التي تخبئ القناني تحت ملابسها الداخلية وتفريغها في الحمام, ومشهد مراقبة من قبل الباسداريات على ملابس (مارجي) والحذاء الذي يحمل علامة نايكي , لجبرها الذهاب الى مخفر الشرطة , وقمع للحريات الفردية , وحشة المكان, ومشهد اعدامات بالالاف.
تصاب عائلة (مارجي) بحالة خوف و قلق على الاوضاع غير الطبيعية في البلاد خاصة بعد اندلاع الحرب العراقية الايرانية, فتقرر العائلة ارسال (مارجي) الى مدرسة ثانوية لتعلم الفرنسية بالعاصمة النمساوية فيينا. لكن (مارجي) تجد نفسها لوحدها مسلوبة الروح وتصاب بحنين للوطن , برغم من اصدقائها الشباب النمساوي, فتنحدر الى عالم المخدرات والتسكع والنوم على الارصفة مما دفع بسلطات المدينة اجبارها للعودة الى ايران .
معظم احداث الفيلم تجري في ايران,ومصور باللون الابيض والاسود ــ بأستثناء تأمل (مارجي) في مطار باريس بالالوان كتعبير عن الحرية ــ واما رسوم الفيلم جاءت مبسطة فيها سحر الخطوط السوداء مع حركة الصورة الظلّية دون انفصال عن اللقطة الاخرى, كتعبير عن حالتها المأساوية في اعقاب الثورة الاسلامية ,عندما تجد (مارجي) من حولها حالة حصار وعزلة عن رجال الدين وثورتهم من جهة وعالمها الخاص الذي يزداد مقاومة ضد الثقافة السائدة بعد زواجها ودخولها مدرسة الفنون, لكن في احد الحفلات , ينكشف امرهم من قبل الباسدارية(شرطة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر) الملتحين تكاد ان تتشابه ملامحهم, فتحصل مطاردة بين الشرطة وزوجها على سطح البنايات فيسقط من البناية ويفارق الحياة,اما (ماجي) بقرارها المفجع ترك وطنها الى فرنسا (المنفى) كبديل عن الخراب الروحي في ايران.

م/ مشهد من الفيلم ( بيرسيبوليس )
 

Counters